ارتبط اسم حزب الله بالثورة الإسلامية في إيران التي قام بها روح الله الموسوي الخميني عام 1979، وقد اكتسب شرعيته المحلية وشعبيته الإقليمية عن طريق المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي للبنان (1982) ولا سيما بعد عام 1985 وهو عام الإعلان الرسمي عن أنصار الثورة الإسلامية في لبنان حزب الله، وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في مايو/ أيار عام 2000.
ظروف النشأة
سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان وجود مشارب فكرية وعقائدية متعددة وكانت في غالبها تعود إلى العراق ولا سيما إلى حزب الدعوة الإسلامي الذي كان يرأسه محمد باقر الصدر، وإلى مدرسة النجف الدينية التي جمعت عددا من طلاب العلم اللبنانيين وأصبح بعضهم جزءا أساسيا من النخبة الدينية الشيعية في لبنان، منهم موسى الصدر مؤسس حركة المحرومين أمل التي يتزعمها حاليا نبيه بري وهو رئيس المجلس النيابي اللبناني أيضا.
وقد اختفى الصدر في ظروف غامضة عام 1978، وفي نفس الفترة الزمنية اضطلع محمد حسين فضل الله بدور تربوي وسياسي مؤثر في الساحة اللبنانية بلغ أوجه في منتصف الثمانينيات متزامنا مع ظهور حزب الله كقوة لبنانية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وللقوى اللبنانية المتحالفة معه، مما دفع كثيرين لوصفه بالمرشد الروحي لحزب الله وهو ما نفاه الحزب وفضل الله نفسه أكثر من مرة، غير أنه لا أحد ينكر أنه كان لفضل الله أثر بالغ على تكوين طلائع حزب الله الأولى من السياسيين والعسكريين وغيرهم.
عباس الموسوي |
أمناء الحزب
لا توجد مصادر مستقلة تتحدث بالتفصيل عن طرق إدارة الحزب قبل العام 1989، إلا أن المعلومة المتداولة تفيد أن القيادة كانت جماعية إلى أن انتخب الأمين العام الأول لحزب الله وهو الشيخ صبحي الطفيلي (من عام 1989 حتى عام 1991).
وتولى المنصب من بعده الشيخ عباس الموسوي، ولم يستمر في منصبه أكثر من تسعة أشهر، ومن أهم أعماله إيلاء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الأولوية على ما سواها من الناحية العملية. واغتالته إسرائيل عام 1992 ليقود الحزب من بعده حسن نصر الله حتى الآن.
البناء التنظيمي
يعتقد بعض المراقبين أنه لا يزال البعض من بنية حزب الله تكتنفه السرية ولا سيما تلك المرتبطة بالمقاومة وبعلاقات الحزب خارج الحدود اللبنانية، إلا أن الهياكل التي تنظم عمل الحزب معروفة، وتتسم قراراتها بالشرعية الحزبية والعلنية وتتضمن الأمانة العامة ومجلسا سياسيا ومجلس شورى إضافة إلى مجلس تخطيطي وكتلة نواب وهيئات استشارية متعددة. ويتخذ القرار داخل الحزب بأغلبية الأصوات.
المؤسسات الرديفة
نشط الحزب في تقديم خدماته بالمناطق التي يكثر فيها الشيعة مثل ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع والجنوب اللبناني، مما زاد من شعبيته ومن التفاف أبناء الطائفة من حوله. وكثير من مؤسسات الحزب امتداد لمؤسسات "أم" في إيران. وتعمل أغلبها في الجانب الاجتماعي والتنموي ودعم المقاومة والإعلام مثل تلفزيون المنار.
العلاقة مع إيران
جاء في بيان صادر عن الحزب يوم 16 فبراير/ شباط 1985 أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".
ويرى المتابعون لشؤون الحزب أن ارتباطه بإيران ينطلق من مفردات عقائدية حيث أن كل أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة، ويعتبرون الولي الفقيه في إيران مرجعا دينيا وسياسيا لهم. ولكن بعد وفاة الخميني تباينت الآراء حول أهلية المرشد الجديد للثورة علي خامنئي، مما فتح الباب لنقاشات احتدت في بعض مراحلها لكنها لم تثن حزب الله عن ارتباطه بالمرجعية الإيرانية في حدها السياسي والحضاري.
ويعتقد أن حزب الله يتلقى دعما ماديا كاملا من إيران إضافة إلى التبرعات وأموال الخمس التي يتلقاها الحزب من مناصريه.
العلاقة مع سوريا
بسبب الظروف التي تشكل بها الحزب ولا سيما ظرف المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وجد حزب الله دعما سياسيا ومعنويا من سوريا في علاقة جدلية لم يسبق لها نظير على الأقل في العالم العربي.
ولم تخل تلك العلاقة من مصادمات بين الطرفين كانت أشدها عام 1987 حيث سقط من حزب الله أكثر من عشرين قتيلا، ولكن استطاع الطرفان تجاوز الخلافات والوصول إلى رؤية مشتركة برعاية وتدخل إيراني، وبلغت هذه العلاقة مراحل متقدمة بعد استلام حسن نصر الله قيادة الحزب.
مقاومة.. ولكن
شارك حزب الله في بعض مراحل الحرب اللبنانية، واتخذ له بعض المواقع العسكرية على الجبهات الداخلية ولا سيما في بعض المناطق اللبنانية وبخاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت. ويحرص مسؤولو الحزب على التمسك بأن دورهم العسكري في بعض سنوات الحرب اللبنانية لم يتعد الدفاع عن النفس. إحدى عمليات حزب الله ضد إسرائيل
ودخل الحزب عام 1988 في حرب عنيفة مع حركة أمل الشيعية أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين، وكان حزب الله يعتبرها حربا مفروضة ودفاعا عن النفس.
وتركت هذه الحرب آثارا سياسية واجتماعية سيئة على الطائفة الشيعية وكادت تقسمها إلى طرفين متعاديين. ويحرص حزب الله وحركة أمل على تجاوز هذه الحرب والتأكيد على التكامل بينهما، وهو ما حصل في كل الانتخابات البلدية والتشريعية التي حصلت في لبنان بعد اتفاق الطائف.
وعلى الصعيد الدولي لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تتهم حزب الله بتفجير مقر القوات الأميركية والفرنسية في بيروت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1983، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل 300 جندي أميركي وفرنسي. كما تتهمه بالمسؤولية عن مسلسل خطف الرهائن الغربيين إبان الحرب اللبنانية.
حزب الله والتاريخ
يعتبر بعض الباحثين حزب الله ظاهرة فريدة في العالم العربي ويرون أن التاريخ سيحفظ اسمه كحزب مقاوم استطاع أن يلحق هزيمة بالجيش الإسرائيلي ويجبره على الانسحاب من جنوب لبنان، وأن يعقد معه عددا من الصفقات الناجحة لتبادل الأسرى، وأنه استطاع أن يحدث تكاملا بين العمل العسكري والسياسي والإعلامي، حيث كانت ماكينته الإعلامية تعرض عملياته العسكرية الناجحة بينما كانت حركته السياسية تجتهد لحماية ظهر المقاومة محليا وعربيا ودوليا.
كما أنه رغم حرج موقفه السياسي في الداخل اللبناني لم يتنازل تبعا لمعتقداته العقائدية عما يسميه حقه في ملاحقة إسرائيل كقوة احتلال لأرض فلسطين، كما أنه رغم ما يتعرض له من ضغوط دولية لم يتردد في إعلان تأييده للعمليات الفدائية التي تستهدف المجتمع الإسرائيلي، وظل يعتبرها من أهم وسائل التحرير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق